فصل: تحذير إلى الغافلين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.تحذير إلى الغافلين:

أَلا يَا غَافِلاً يُحْصَى عَلَيْهِ ** مِنَ الْعَمَلِ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَهْ

يُصَاحُ بِهِ وَيُنْذرُ كُلََّ يَوْمٍ ** وَقَدْ أَنْسَتْهُ غَفْلَتُهُ مَصِيرَهْ

تَأَهَّبْ لِلرَّحِيلِ فَقَدْ تَدَانَى ** وَأَنْذرَكَ الرَّحِيلَ أَخٌ وَجِيرَهْ

وَأَنْتَ رَخِيِّ بَالٍ فِي غُرُورِ ** كَأَنْ لَمْ تَقْتَرِفْ فِيهَا صَغِيرَهْ

وَكَمْ ذَنْبٍ أَتَيْتَ عَلَى بَصِيرَةٍ ** وَعَيْنُكَ بِالَّذِي تَأْتِي قَرِيرَهْ

تُحَاذِرُ أَنْ تَرَاكَ هُنَاكَ عَيْنٌ ** وَإِنَّ عَلَيْكَ لِلْعَيْنُ الْبَصِيرَهْ

وَكَمْ حَاوَلْتَ مِنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ ** مُنِعْتَ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَخَيْرَهْ

وَكَمْ مِنْ مَدْخَلٍ لَوْ مُتَّ فِيهِ ** لَكُنْتَ بِهِ نَكَالاً فِي الْعَشِيرَهْ

وُقِيتَ السُّوءَ وَالْمَكْرُوهَ فِيهِ ** وَرُحْتَ بِنِعْمَةٍ فِيهِ سَتِيرَهْ

وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ للهِ تُمْسِي ** وَتُصْبِحُ لَيْسَ تَعْرضفُهَا كَثِيرَهْ

اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا وَكَرِه إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانِ وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
فصل: وَقَالَ رحمه الله: واعلم يا أخي أَنَّ الله لا يقبلُ نافلةً حتى تُؤدِّي الفريضةُ، وأنَّ للهِ حَقًّا بالليل لا يَقبلُه بالنهار.
وحقًّا بالنهارِ لا يَقبلُه باللَّيل، وأنه يُحَاسِبُ العبدَ يومَ القيامةِ بالفرائض، فإنْ جاءَ بها تامةٌ قُبلَتْ فرائضهُ ونوافلُه.
وَإنْ لم يُؤدِّهَا وَأَضَاعَها أُلحقتِ النَّوافُل بالفرائض؛ فإنْ شاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شاءَ عَذَّبَهُ.
وعلَيْكَ بتقوى الله عَزَّ وَجَلَّ، ولِسَانٍ صَادِقٍ وَنِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وأعمال صَالِحَةٍ، لَيْسَ فيها غِشٌّ وَلا خُدْعَةً.
فَإِنَّ اللهَ يَراكَ وَإِنْ لم تكنْ تَرَاهُ، فلا تُخَادِع الله يَخْدَعُكَ، وأصلحْ سَرِيرَتَكْ وَعَلانِيتَك، وأحْسِنْ فيما بَيْنَكَ وبينَ الله يُحْسِن ما بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاس.
واعملْ لآخِرَتِكَ يَكْفِيكَ أَمْرَ دُنْيَاكَ، وَبِعْ دُنْيَاكَ بآخِرَتِكَ تَرْبَحُهُما جَمِيعًا، وَلا تَبْعِ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاكَ فَتَخْسَرْهُمَا جَمِيعًا.
وَإِيَّاكَ وَمُجَالَسَةَ أَهْلِ الْجَفَاءِ، وَلا تَصْحَبْ إِلا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيٌّ، وَلا تُصَاحِبْ الْفَاجِرَ ولا تُجَالِسْهُ.
وَإِيَّاَك وَأَبْوَابَ الْمُلوكِ وَأَبْوَابَ مَنْ يَأْتِي أَبْوَابَهُمْ وَأَبْوَابَ مَنْ يَهْوَى هَوَاهُمْ، فَإِنَّ مَعَهُمْ مِثْلَ فِتَنِ الدَّجَّال.
مَضَى السَّلف الأَبْرَار يَعْبِق ذكرهم ** فَسِيرُوا كَمَا سَارُوا عَلَى الْبِرِّ وَاصْنعوا

وَكُنْ مَبْذُولاً بِمَالِكَ وَنَفْسِكَ لإِخْوَانِكَ، وَعَلَيْكَ بِالْكَسْبِ الطَّيبِ، وَمَا تَكْسِبُ بِيَدِيْكَ، وَإِيَّاكَ وَأَوْسَاخَ النَّاسِ أَنْ تَأْكلَه أَوْ تلبسَه.
فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْسَاخَ النَّاسِ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ مَعَهُمْ بِذلَّةٍ وَتَوَاضُعٍ وَهَوَى، وَيَتَوَاضَعُ لهم مخافةَ أنْ يَمْنَعُوه.
ويا أخي! مَتَى تَنَاوْلَتَ مِن النَّاسِ شَيْئًا قَطَعْتَ لِسَانَكَ، وَأَكْرَمْتَ بَعْضَ النَّاسِ وَأَهْنتَ بَعضَهم مَعَ ما يَنْزِلُ بِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِنَّ الَّذِي يُعْطِيكَ مِن مَالِهِ فَإِنَّمَا هُوَ وَسَخُه.
وَتَفْسِيرُ وَسَخِهِ: تَطْهِيرُ عَمَلِهِ مِن الذُّنُوبِ، فَإِنْ أَنْتَ تَنَاوَلْتَ مِن النَّاسِ شَيْئًا فَلا تَأْمَنْ إِنْ دَعَوْكَ إِلى مُنْكَرِ أَجَبْتَهم.
وَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ أَوْسَاخَ النَّاسِ كَالرَّجلِ لَهُ شُرَكَاءِ فِي شَيْءٍ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَاسِمَهُمْ، يَا أَخِي جُوعٌ وَقَلِيل مِنْ الْعِبَادة خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَشْبَعَ مِنْ أَوْسَاخِ النَّاسِ وَكَثِيرٌ مِن الْعِبَادَةِ.
فَقَدْ بَلَغنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ أَنَّ أحدَكم أَخَذَ حَبْلاً ثُمَّ احْتَطَبَ حَتَّى يُدْبِرَ ظَهْرَهُ، كَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَقُومَ عَلَى ظَهْرِ أَخِيِه فَيَسْأَلُه أَوْ يَرْجُوهُ».
وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ حَمِدْنَاهُ، وَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ اتَّهَمْنَاهُ.
وَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الُقُرَّا! ارْفَعُوا رُؤُوسَكم، لا تَزِيدُوا الْخُشُوعَ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ، اسْتَبِقُوا فِي الْخِيرَاتِ، وَلا تَكُونُوا عِيَالاً عَلَى النَّاسِ فَقَدْ وَضَحَ الطَّرِيقُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ بنُ أَبي طالب رضي الله عنه: إنَّ الذي يَعِيشُ مِنْ أَيْدِي النَّاس كالذي يَغْرِسُ شَجَرَةً في أرض غيره.
فاتق الله يا أخِي، فإنّه ما نَالَ أحدٌ من النَّاسِ شَيْئًا إلا صَارَ حَقِيرًا ذَلِيلاً عندَ النَّاس، والمؤمنون شُهودُ الله في الأرضِ.
وإيَّاكَ أن تَكْسِبَ خَبِيثًا فَتُنْفِقَهُ في طاعةِ الله، فإنَّ تَرْكَهُ والله فَرِيضةٌ واجبة، وَإِنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ لا يَقْبَلُ إِلا الطَّيِّبَ.
أَرَأَيْتَ رَجُلاً أَصَابَ ثَوْبَه بَوْلٌ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يطهِّرَهُ فَغَسَلَهُ بِبَولٍ آخَرَ، أَتُرَى كان ذلك يُطَهِّرُه؟
إِنَّ البولَ لا يُطَهَّرُ إِلا بِطَاهِرٍ طَيِّبٍ، فَكَذَلِكَ لا تُمْحَى سيئة بسيئةٍ، ولا تُمْحَى إلا بِحَسَنةٍ.
وَعَلَيْكَ بِالصِّدْقِ فِي الْمَوَاطِن كُلِّهَا. وَإِيَّاكَ والكذبَ والخيانة، وَإِيَّاكَ وَالرِّيَاءَ في الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ فَإِنَّهُ الشركُ بعينِهِ.
وَإِيَّاكَ وَالْعُجْبَ فَإِنَّ الْعَمَلَ لا يُرفعُ وَفِيهِ عُجْبٌ، وَلا تأخذْ إِلا مِمَّنْ هُوَ مُشْفِقٌ عَلَى دِينِه.
فَإِنَّ مَثَلَ الِّذِي هُوَ غَيْرُ مُشْفِقٍ عَلَى دِينِهِ كَمَثَلٍ طَبِيبٍ بِهِ دَاءٌ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعَالِجَ دَاءَ نَفْسِهِ، وَلا يَنْصَحُ لِنَفْسِهِ، وَلا يَتَجَنَّبْ مَا يَضُرُّ مَرَضَه وَيَحْمِيهَا مِنْهُ.
فَكَيْفَ يصلح أن يُعَالِجَ دَاءَ النَّاسِ وَيَنْصَحُ لَهم؟! فهذا الذي لا يُشْفِقُ عَلَى دِينِهِ، كَيْفَ يُشْفِقُ عَلَى دِينِكَ؟!
وَيَا أَخِي! إِنَّمَا دِينُكَ لَحْمُكَ وَدَمُكْ، فَابْكِ عَلَى نَفْسِكَ وَأَرْحَمْهَا، فَإِن أَنْتَ لَمْ تَرْحَمْهَا لَمْ تُرْحَمْ. وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.
فصل:
وَقَالَ رحمه الله: وَلْيَكُنْ جَلِيسُكَ مَنْ يُزْهِدُكَ في الدُّنْيَا وَيُرَغِّبُكَ في الآخِرَةِ، وَإِيَّاَك وَمُجَالَسَةِ أَهْلِ الدنيا الذينَ يخوضُونَ في حديثِ الدنيا، فإنَّهم يُفْسِدُونَ عَلَيْكَ دِينَكَ وَقَلْبَكَ. وَأَكْثِرْ ذِكْرَ الْمَوْتِ.
وَأَكْثِرْ الاسْتِغْفَارَ مِمَّا قَدْ سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكَ، وَسَلِ اللهَ السَّلامةَ وَالْعِصْمَةَ لِمَا قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمُرِكَ. ثُمَّ أَخِي عَلَيْكَ بِأَدَبٍ حَسَنٍ، وَخُلُقٍ حَسَنٍ.
ولا تُخَالِفَنَّ الجماعة إذا كانوا على السُّنَّةِ، فإنَّ الخيرَ فيها. وانصحْ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إِذَا سَأَلَكَ في أَمْرِ دِينِهِ.
وَلا تَكْتْمُنَّ أَحَدًا مِن النَّصِيحَةِ شَيْئًا إِذَا شَاوَرَكَ فيما كان لله رِضًا، وَإِيَّاكَ أَنْ تَخُونَ مُؤْمِنًا؛ فَمَنْ خَانَ مُؤْمِنًا فَقَدْ خَانَ اللهَ وَرَسُولهَ.
وَإِذَا أَحْبَبْتَ أَخَاكَ في الله فابْذِلْ لَهُ نَفْسَكَ وَمَالَكَ. وَإِيَّاكَ والْخُصُومَاتِ وَالْجِدَالِ وَالْمِرَاءَ، فَإِنَّكَ تصيرُ ظَلُومًا خَوَّانًا أَثِيمًا.
وعليك بالصبر في المواطن كلِّها، فإنَّ الصبرَ يَجُرُّ إلى البِرِّ، والبِرِّ يَجُرُّ إلى الْجَنَّةِ.
وَإِيَّاكَ وَالْحِدَّةَ وَالغضب؛ فإنهما يَجُرَّانِ إلى الْفُجُورِ، والْفُجُورُ يَجُرُّ إلى النَّارِ.
ولا تُمَارِيَنَّ عَالِماً فَيَمْقُتَكَ، وإن الاخْتِلافِ إلى العُلَماءِ رَحْمَةٌ، وَالانقطاعَ عنهم سَخَطُ الرحمن.
فإنهم خُزَّانُ الأنبياء وَأَصْحَابُ مَوَارِيثهم، وأُمَنَاءُ الله وَهُدَاةُ الدِّين، يُرِيد العلماء المتبعون للكتاب والسنة والمطبقون لهما في الأقوال والأفعال.
لا مَن يُسَموْنَ عُلماء وَلَيْسَ بعُلَمَاء لا يُرَى عليهم آثَارَ العِلم فهؤلاء يجب الابتعاد عنهم والتحذير منهم نسأل الله السلامة والعِصْمَة.
وعليكَ بالزهد يُبَصِّرْكَ عَوْرَاتِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْكَ بالْوَرَعِ يُخَفِّفُ الله حِسَابَكَ.
وَدَعْ كَثِيرًا مِمَّا يريبُكَ إلى ما لا يريبُكَ تَكُنْ سَالماً، وادْفَعْ الشَّكَ باليَقِين يَسْلَمْ لَكَ دِينُكَ.
وَأمُرْ بِالمَعروفِ، وانهَ عن المُنْكَرِ تَكُنْ حَبِيبَ اللهِ، وَأَقِلَّ الفَرَحَ والضَّحِكَ تَزْدَدْ قَُوَّةً عندَ الله، واعْمَلْ لآخِرَتِكَ يَكْفِكَ الله أمْرَ دُنْيَاكَ.
وإذا أردتَ أَمْرًا من أُمُورِ الدنيا فَعَلَيْكَ بالتَّوأَدَةِ؛ فإنْ رأيتَه مُوافِقًا لآخِرَتِكَ فَخذْهُ، وَإلا فَقِفْ عنه، وسلَ الله العافية وحُسْنَ الْعَاقِبَةِ.
وَإِذَا هَمَمْتَ بأمرٍ من أمور الآخرة فَشَمِّرْ إليها مُسْرِعًا مِن قَبْلِ أن يَحُولَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا الشَّيْطَان.
وَلا تَكُونَنَّ أَكُولاً، وَلا تأكلنَّ بغيرِ شَهْوةٍ، ولا بغَير نِيَّةٍ، ولا عَلَى شِبَعٍ؛ فَيَسْقُو قَلْبُكَ. وَإِيَّاكَ وَالطَّمعَ فِيمَا في أَيْدِي النَّاسِ، فَإِنَّ الطَّمَعَ هَلاكُ الدِّينِ.
وَإِيَّاكَ وَالْحِرْصَ عَلَى الدنيا، فإن الحِرصَ يَفْضَحُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَكُنْ طَاهِرَ القلب نَقِيَّ الجسدِ من الذُنُوُبِ وَالخَطَايَا.
نَقِيّ اليَدينِ من المظالم، سَلِيمَ القلبِ مِن الْغِشِّ والمكرِ والخِيَانَةِ، خَالي الْبَطْنِ مِن الحَرَامِ، فَإِنَّهُ لا يَدْخُلُ الجنَّةَ لحمٌ نَبتَ مِنْ سُحْتٍ.
وَكُفَّ بَصَرَكَ عَنْ عَوْرَاتِ النَّاسِ، وَلا تمشِينَ إِلى غَيْرِ حَاجَةٍ، وَلا تَكَلَّمنَّ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ.
وَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَلِي نَفْسِكَ مِن الأَمَانةِ شَيْئًا، وَقَدْ سَمَّاكَ الله ظَلومًا جهولاً، وأقِلِ العَثْرةَ، وَأَقِلَّ الاعتذارَ، واغفرْ ذنبَ مَنْ يُرْجَى خَيْرهُ وَيُؤْمَنُ شرُّه.
وَلا تُبْغِضْ أَحَدًا يُطِيعُ الله ورسولَهُ، ولا تَقْطَعْ رَحِمَكَ، وَصِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَصِلْ رَحِمَكَ وَإِنْ قَطَعَتْكَ.
وَتَجَاوَزْ عَمَّنْ ظَلَمَكَ تَكُنْ رَفِيقَ الأَنْبِيَاءِ وَالشُّهَدَاءِ، وَأَقِلَّ دُخُولَ السوقِ، فَإِنَّ أَهْلَهُ ذِئَابٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ، وفي السُّوقِ مَرَدَةُ الشياطينِ منِ الجنِّ والإِنسِ.
وَإِذَا دَخَلْتَها فَقُلْ: أشهدُ أنْ لا إلِهِ إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمدُ يُحْيي ويُميتُ، وهو حيُّ لا يموت، بيده الخير وهو على كلُّ شيءٍ قدير. اللهم صلّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ وأصحابه أجمعين.
فقد بلغِنَا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «يُكتبُ لِقَائِلَها بِعدَدَ مَنْ في السُّوقِ مِن أَعْجَمِي أو فَصِيحٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ». وَإِيَّاكَ أَنْ تُفَارِقُ الدَّسَمَ؛ فَإِنَّهُ أَتَمُّ لِعَقْلِكَ، وَلا تَمْنَعَنَّ نفسَك مِن الحلاوَةِ إنْ قَدِرْتَ؛ فَإِنَّهُ يَزِيدُ في الْحِلْمِ، وَعَلَيْكَ بِاللَّحم إِنْ وَجَدْتَهُ، وَلا تَدُمْ عَلَيْهِ وَلا تَدَعهُ أربعين يَوْمًا فَيَسوء خُلُقُكَ، وَلا تَردَّ الطِّيبَ؛ فإنَّه يَزِيدُ الدِّمَاغَ قُوةًَ.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
فصل:
وَقَالَ رحمه الله: وعليكَ باللِّبَاسَ الخشنِ تَجدْ حلاوةَ الإيمان، وعليكَ بالصَّوْم يَسُدُّ بابَ الفُجور، ويَفْتَحْ عليكَ بابَ العِبادة، وعليك بقلَّةِ الكلامِ يَلِنْ قَلْبُكَ. قُلْتُ: إلا بذكر الله وما ولاه.
وعليكَ بطُولِ الصمتِ تملكْ الوَرَعَ، أي إلا ما فيه نفع أخْرَوِي أو ما هو وسيلة إليه، وَلا تكنْ طَعَّانًاً ولا مُغْتَابًا تسلمْ من أَلْسُنِ النَّاسِ.
وكنْ رحيمًا تكنْ محبَّبًا إلى النَّاس، وارضَ بما قسمَ الله لك تكنْ غَنيًّا، وتوكْل على الله تكنْ قَوِيًّا، وكنْ مُتَواضِعًا تستكملْ أعمالَ البِّر.
وكُنْ عفوًّا تظفَر بحاجتِك، وكنْ رحيمًا يُتَرَحَّم عليكَ، وعليك بالسَّخَاء فإنه يسْتُر العوراتِ.
وعليكَ بكثرةِ المعروف يُؤْنسْكَ الله في قَبرِكَ واجتنبْ المحارِمَ كلَّها تَجِدْ حَلاوةَ الإيمان.
وأحِبَّ أهلَ الجنّةٍ تكنْ معهم يومَ القيامة وابغضْ أهلَ المعاصي يُحِبُّكَ اللهُ والمؤمنون.
واحْرصْ يا أخِي! أن يَكُونَ أَوَّلُ أمرِك وآخرُه على تقوى الله في السرِّ والعلانيةِ.
واخشَ الله خشية مَن عَلِمَ أنه مَيِّتٌ وَمَبْعُوثٌ وَمَحْشُورٌ وَمَوْقوفٌ بينَ يَدَيْ الْجَبَّارِ.
ثم المصيرُ إلى أحدِ الدارينِ؛ إِمَّا إلى جنَّةٍ ناعمةٍ خالدةٍ، أو إلى نارٍ حاميةٍ مؤبَّدَةٍ دائمةٍ.
وجالس الفقراء، واصحبِ المساكينَ، وأرضَ بعيشتهم، وتأسَّ بفقيرهم، واصْبر علي مُضطَرِّهم.
وكنْ راضيًا عن الله بما قسم، وداخلاً تحتَ ما حكَم، ساهِرًا في جُنحِ الظُّلَمِ. انتهى.
قَالَ يحيى بن أكثم: كُنتَ أرى شيخًا يَدخُل على المأمون وكان يَخْلُو به خلوةً طويلةً ثم ينصرفُ فلا نسمع له خَبَرَا فلما تُوفي.
قَالَ لنا المأمونُ: وَا أسَفَا على فقد صَديقٍ مَسْكُونٍ إليه مَوْثُوقٌ به وَتُقْتَبَسُ منه الْفَوَائدُ وَالْغُرَر قُلْنَا:
ومَن ذاكَ يا أمير المؤمنين؟ قَالَ: أما كُنتَ تَرى شيخًا يأتِينَا وَنَخْلُوا به مِن دونَ النَّاسِ قُلْتُ: بلى. قَالَ: قد تأخر عن إبانِهِ وأظن أنه قَدْ ماتَ.
قُلْتُ: وما في ذلكَ؟ قَالَ: كان صَديقي بخرسان وكُنْتُ أسْتَرِيحُ إليه اسْتِرَاحَةَ المكْرُوب وأجد به ما يوجد بالولد السارَ المحبوب ولقد استمد منه رَأيًا أقوم به أوَدَ المملكة وأصل به إلى رضا الله في سِيَاسَة الرعية. وآخر ما قَالَ لي عِنْدَ وَداعِهِ: إذا اسْتَشَنَّ ما بينك وَبَيْنَ الله فابْلُلْهُ قُلْتُ: بماذا يَا صَاحِبَ الخَيْرِ؟ قَالَ: بالاقتداء به في الإحسان إلى عبادة فإنه يحب الإحسان مِن عباده إلى عباده كما تحب الإحسان إلى ولدك من حاشِيَتِكَ. والله ما أعطاك القُدْرَةَ عليهم إلا لتصير على إحسانك إليهم بالشكر على حَسَنَاتِهِمْ والتَّغَمُدَ لسيئاتهم وَأي شيء أوجه لَكَ عند ربك من أن يكون أمامك عدل وإنصاف وإحسان وإسْعَافٌ ورَأفة ورحمةَ مَن لِي بمثل هذا القائلِ وأنَّى لي بمن يذكرني ما انا إليه صائر.
أَلا إنما الدُّنْيَا مَتَاعُ غُرورِ ** وَدَارُ بَلاءٍ مُؤذنٍ بثُبُور

وَدَارُ مُلِمَّاتٍ وَدَارُ فَجَائِعِ ** وَدَارُ فَنًا في ظُلْمَةٍ وَبُحُورِ

دَارُ خَيَالٍ مِنْ شُكُوكٍ وَحِيرَةٍ ** وَدَارُ صُعُودٍ في الهوى وحُدُورِ

إِنَّ امْرأً لم يَنْجُ فيها بِنَفْسِهِ ** عَلَى مَا يَرى فِيهَا لَغَيْرُ صَبُورٍ

وَلا بُدَّ مِنْ يَومَين يَومِ بَليَّةٍ ** إِرَادَةُ جَبَّارٍ وَيَوْمِ نُشُورِ

كَأَنِّي بِيَوْم ما أخَذْتُ تَأَهُّبًا ** لِرَبِّي رَوَاحِي مَرةً وَبُكورِي

كَفَى حَسْرَةً أَنَّ الْحَوَادِثَ لَمْ تَزَلْ ** تُصَيِّرُ أَهْلَ الْمُلْكِ أَهْلَ قُبُورِ

أَلا رُبَّ أَبْنَاءِ اتِّسَاعٍ وَفَرْحَةٍ ** وَزَهْرَةِ عَيْشٍ مُونَقٍ وَحُبُورٍ

وَأَبْنَاءِ لَذَّاتٍ وَظِلِّ مَصَانِعٍ ** وَظلِّ مَقَاصِير وَظِلِّ قُصُورِ

نَظَرْتُ إليهم في بُيوتٍ مِن الثَّرَى ** مُسْتَّرَةٍ مِن رَضْرَضٍ بِسُتُورِ

وَكَمْ صُوَرٍ تَحْتَ التُّرَابِ مُقِيمَةٍ ** عَلَى غَيْرِ أَبْشَارٍ وَغَيْرِ شُعُورِ

ثَوَتْ في سَرَابِيلٍ عَلَيْهَا مِن الحَصى ** وَمِنْ لَخَفٍ مِنْ جَنْدَلٍ وَصُخُورِ

إِذَا مَا مَرَرْنَا بالقُبورِ لحَاجَةٍ ** مَرَرْنَا بِدُورٍ هُنَّ أَجْمَلُ دُورِ

أَلا رُبَّ جَبَّارٍ بِهَا مُتَكَبِّر ** وَيَا رُبَّ مُخْتَالٍ بِهَا وَفَخُورِ

خَلِيلِي كَمْ مِنْ مَيِّتٍ قَدْ حَضَرْتُهُ ** وَلَكِنَّنِي لَمْ أَنْتَفِعْ بِحُضُورِي

وَكَمْ مِنْ خُطُوبٍ قَدْ طَوَتْنِي كَثِيرَةٍ ** وَكَمْ مِنْ أُمُورٍ قَدْ جَرَتْ وَأُمُورِ

وَكَمْ مِنْ لَيَالٍ قَدْ أَرَتْنِي عَجَائِبًا ** لَهُنَّ وَأَيَّامٍ خَلَتْ وَشُهُورِ

وَمَنْ لَمْ تَزدْهُ السِّنُّ مَا عَاشَ عِبْرَةً ** فَذَاكَ الَّذِي لا يَسْتَضِيء بِنُورِ

مَتَى دَامَ في الدُّنْيَا سُرُورٌ لأَهْلِهَا ** فَأَصْبَحَ فِيهَا وَاثِقًا بِسُرُورِ؟

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيعَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنَا لِمَا فِيهِ صَلاحُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا وَأَكْرِمْ مَثْوَانَا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.